- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( الديَّان ):
أيها الإخوة الكرام، من أسماء الله الحسنى اسم ( الديان )، والديّان هو المُجازي، ويوم الدين يوم الجزاء.
1 – معرفةُ كونِ اللهِ ديَّانًا مُجازيًا تحمل العبد على الاستقامة:
الله سبحانه وتعالى يعلم ويحاسب ويعاقب، ففي اللحظة التي يوقن فيها الإنسان أن أعماله كلها مسجلة عند الله عز وجل، وأن الله سيحاسبه وَفق موازين دقيقة جدا، وسوف يعاقبه، لابد من أن يستقيم الإنسان على أمره.
2 – الكون مَظهرٌ لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى:
الله عز وجل يقول:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
هذه آية ذات أبعاد دقيقة جداً، علة خلق السموات والأرض أن نعرفه:
﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾
لذلك: التفكر في خلق السموات والأرض طريق لمعرفة الله، بل إن التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
هذه اللام لام التعليل، هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، هذا الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى وعن صفاته:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
الحقيقة أن أسماء الله الحسنى كثيرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
(( إنَّ لِلَّهِ تَعالى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ً، إِلاَّ وَاحِداً، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ ))
وإحصاء الأسماء شيء، وعدُّها شيء آخر.
﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾
لذلك: اختار الله من بين أسماءه الحسنى اسمين فقط:
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
هذان الاسمان وحدهما يكفيان كي تستقيم على أمر الله، أي أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك.
نوضِّح هذه الحقيقة بمثل: إنسان في المجتمع المدني يركب مركبة، وقد وقف على إشارة المرور الحمراء، وأمام هذه الإشارة شرطي يراقب، وشرطي على دراجة نارية يلاحق، وضابط المرور في مركبة أيضاً يشرف، وأنت مواطن من المواطنين، لا تمتاز عن غيرهم بأية ميزة، لا يعقل أن تتجاوز الإشارة، بل مستحيل أن تتجاوزها، لأنك موقن أن واضع قانون السير علمُه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك من خلال حجز المركبة، وسحب الإجازة، ما دمت موقنا أن واضع قوانين السير علمه يطولك، وقدرته تطولك لا يكمن أن تعصيه.
وصدقوا أيها الإخوة، في اللحظة التي توقن بها أن علم الله يطولك، وأن قدرتك تطولك لا يمكن أن تعصيه، وحينما تعلم أن الله يعلم لن تعصِ أمره، لا يعصي أمره إلا من فقد عقله.
بين العاقل والذكي:
النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه في طرقات المدينة، فإذا بمجنون، فسأل سؤال العرف:
(( من هذا ؟ قالوا: هذا مجنون قال: لا، هذا مبتلى، المجنون من عصى الله ))
لذلك: ما كل ذكي بعاقل، ينبغي أن نفرق بين الذكي والعاقل، قد تملك أعلى اختصاصًا في العالم، وقد تكون متبحراً في هذا الاختصاص، بل قد تكون متفوقاً فيه، ومع ذلك ربما لا يكون صاحب هذا الاختصاص عاقلاً، قد يكون ذكياً، وليس عاقلاً، لأن الذكاء متعلق بالجزئيات، هناك اختصاصات نادرة، فيزياء نووية، فيزياء حركية، علم الحركة، كيمياء عضوية، هناك اختصاصات نادرة، في علم الفلك اختصاصات نادرة، فمن تبحر بهذه العلوم، وتفوق بها فهو ذكي جداً، أما إن كان لا يعرف ربه، إن لم يعرف سبب وجوده، إن لم يعرف غاية وجوده، إن لم يجب عن هذه الأسئلة: من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ فلا يعد عاقلاً.
فلذلك: هناك أمية عند العلماء، كيف ؟ قد يكون العالم متفوقاً في اختصاصه، لكن لأنه غفل عن الحقائق الكبرى التي ينبغي أن يعرفها فهو ليس بعاقل، إذاً نقول: ما كل ذكي بعاقل.
وكما أن الطبيب قد يكون أمياً في شؤون الدين، قد يكون عالمُ الدين أمّيًّا في شؤون الطب.
لابد من العلم بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى:
إذاً: لا بد من علم يعد فرضاً عينياً على كل مسلم، لا بد من علم يجب أن يعلم بالضرورة.
هذا المظلي قد يجهل شكل المظلة، ولا شيء عليه، يا ترى بيضوي ؟ مربع، مستطيل ؟ على شكل شريط ؟ وقد يجهل نوع قماشها، وقد يجهل عدد الحبال، وقد يجهل نوع الخيوط، قد يجهل معلومات كثيرة جداً، ولا تثريب عليه، أما إذا جهل طريقة فتح المظلة نزل ميتاً، فهذا المظلي له أن يجهل، لكن ليس له أن يجهل طريقة فتح المظلة.
يجب أن نعلم أيها الإخوة، أن هناك علماً يجب أن يعلم بالضرورة، أحياناً يركب الإنسان مركبته، فيتألق على لوحة البيانات ضوء أحمر، إذا فهم هذا التألق تزينياً احترق المحرك، وتعطلت الرحلة، وكلفه إصلاح مركبته مبلغاً فلكياً، أما إذا فهم هذا التألق تألقاً تحذيرياً، فأوقف المركبة، وأضاف الزيت سلم المحرك، وتابع الرحلة.
إذاً: الجهل قاتل، ومن الجهل ما قتل، هناك معلومات يمكن أن تستغني عنها، يحتاجها أولو الاختصاص، كيف أن في الدين دعوة إلى الله تعد فرضاً عينياً، وهناك دعوة تعد فرضاً كفائياً، والتبحر والتعمق والتفرغ فرض كفاية.
﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾
أما أن تدعو إلى الله في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فهذا فرض عيني، لقوله تعالى:
﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
إذاً: علة خلق السماوات والأرض أن تعلم أن الله يعلم، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه، لذلك أعلى درجات الإيمان أن تعبده كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
لاحظوا أيها الإخوة، إذا كنت في حضرة إنسان محترم من أقاربك، له مكانة، فإنك تنضبط في حركاتك، وسكناتك، وفي ارتداء ثيابك، وفي نطقك، وفي اختيار كلماتك، وحينما تعلم أن الله يعلم فقد قطعت مرحلة واسعة جداً في معرفة الله.
لابد من الإيمان الحقيقي بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى:
لا شك أيها الإخوة أن معرفة الله من الأسماء الحسنى هي جزء من العقيدة، بل هي صلب العقيدة، ذلك لأن الشيطان في ظاهر الآيات قال:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
وقال:
﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
وقال:
﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾
كأن الشيطان في هذه الآيات آمن بالله خالقاً، وآمن به رباً، وآمن به عزيزاً، وآمن باليوم الآخر، ولكن لأنه ما عرف أسماءه الحسنى، ولا صفاته الفضلى، ما عرفه، إذاً: ما عبده.
لذلك يوم القيامة الآية الكريمة:
﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
العظيم مركز الثقل في الآية، لأن أي إنسان يؤمن بالله، وقلّما يكفر أحد بالله، حتى الذين يعبدون الأصنام يقولون:
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾
فالإيمان بالله إيمانا بدائياً فطرياً عند كل الناس، لكنك إن لم تؤمن بالله العظيم لم تؤمن الإيمان الحقيقي.
كيف أن الآية الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾
التركيز على كلمة ( كثيرًا )، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، المنافق يذكر الله، لكنه يذكره قليلا.
إذاً: حينما يقول الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾
المطلوب الذكر الكثير، والإيمان بالله المطلوب منه أن تؤمن بالله العظيم.
بالمناسبة أيها الإخوة، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا ينجي صاحبه، والإيمان باليوم الآخر الذي يمنعك أن تؤذي مخلوقاً لا قيمة له إطلاقاً.
كأن ثمة دائرة كبيرة جداً كل، من آمن بوجود الله ضمن الدائرة، حتى الإنسان المتفلت يخفف من تفلته في رمضان، معنى ذلك هو على شيء من الإيمان، فأي إنسان أقر بوجود الله فهو مؤمن بهذا المعنى الواسع، لكن الذي حمله إيمانه على طاعة الله دخل في دائرة ضمن دائرة.
الدائرة الأولى: كل من أقر بوجود الله مؤمن.
الدائرة الثانية: كل من حمله إيمانه على طاعته فهو مؤمن ناجٍ، لكن هذه الدائرة في مركزها الأنبياء والمرسلون المعصومون، والذي لا يؤمن بوجود الله أصلاً خارج هذه الدائرة، وكل من أقر بوجوده هو داخل هذه الدائرة، وفي وسط هذه الدائرة كل من حمله إيمانه على طاعة الله دخل في الدائرة الثانية، وفي مركز الدائرة الأنبياء والمرسلون.
فلذلك:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
عدم تلبية حاجات الروح نزولٌ إلى مرتبة الحيوان:
لذلك أودع الله في الإنسان قوة إدراكية، وما لم يلبِّ هذه الحاجة العلية سقط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، قال تعالى:
﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾
قال تعالى:
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾
قال تعالى:
﴿ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾
فالإنسان حينما يتخلى عن طلب العلم، حينما لا يعرف سر وجوده وغاية وجوده هبط عن مستوى إنسانيته، وفي الإنسان كما تعلمون حاجات عليا، وحاجات دنيا، نحن وبقية المخلوقات في الحاجات الدنيا سواء، لكن الإنسان ميزه الله بهذه الحاجة العليا، لذلك قال تعالى:
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
أيعقل أن يُعلم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟ لا، الترتيب بالآية ترتيب رتبي، فلا جدوى، ولا معنى من وجود الإنسان من دون منهج يسير عليه، لا جدوى لحياته.
3 – الديَّان يقيم الحُجّة على عقاب المذنب:
إذاً: لتعلموا أن الله يعلم، وحينما تعلم أن علم الله يطولك، هو ( ديّان )، يقيم عليك الحجة والبرهان.
الحاكم العادل يحاكم المذنب محاكمة أصولية، ويدينه بأخطاء ثابتة، فحينما يحكم عليه بعقاب أليم هذا العقاب مبرَّر، بطولة الحاكم أن يقدم له الدليل على أنه مذنب، هذا شيء، والقمع شيء آخر.
لذلك الله عز وجل ( ديّان )، يعني يقيم على العبد المذنب الحجة.
﴿ اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾
لذلك أيها الإخوة، حينما توقن أن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب لا يمكن أن تعصيه، إذا عرفت اسم ( الديان ).
﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
والله لو أُبلِغ إنسان أن خطه الهاتفي مراقب لحاسب نفسه حساباً غير معقول في أثناء حديثه بالهاتف، لو أُبلغ الإنسان أن حركته مراقبة لتحاشى أن يسير على رصيف فيه سفارة، على الرصيف الثاني فيه الاحتياط، فحينما يراقبك إنسان تنضبط أشد الانضباط، فكيف إذا كان الواحد الديان يراقبك ؟
ما من معصية يقترفها الإنسان إلا بسبب ضعف مراقبته لله، الله مع الإنسان، لذلك قال تعالى:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾
قال علماء التفسير: ﴿ هُوَ مَعَكُمْ ﴾، لكن معية لطيفة، فلو رافقك رجلٌ مدّةً طويلة تخرج من جلدك، تقول له: دعني وشأني، لكن الله سبحانه وتعالى معنا، معك في بيتك.
﴿ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا * وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾
والله أيها الإخوة، ما من حال يسمو بالمؤمن كحال المراقبة .
4 – من لوازم الديَّان العلم وإقامة الحُجّة والحساب:
الله ( ديّان )، أي يعلم، و( ديان ) يقيم عليك الحجة، و( ديان ) سيحاسب، لمَ فعلت كذا ؟ و( ديان ) سيعاقب، ثلاث كلمات لو تحققنا منها لما خرج أحد منا عن منهج الله، الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب.
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
اختار من أسمائه اسم العليم والقدير، فعلمه يطولك، وقدرته تطولك.
أنت مواطن عاديّ، والشرطي واقف، الإشارة حمراء، شرطي على دراجة نارية، ضابط في سيارة، مستحيل أن تخالف، لكن متى تخالف ؟ تخالف إذا سرت الساعة الثالثة ليلاً، ليس هناك شرطي، إذاً: علم واضع القانون لا يطولك، أو تخالف إذا كنت أقوى من واضع القانون، قدرته لا تطولك، هذا كلام دقيق، إذا أيقنت أن علم واضع القانون يطولك، وأن قدرته تطولك لم تعصِه.
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
لا يمكن أن يجتمع إيمان بالله مع توهم العبثية.
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
إنّ جامعة كلفت مبالغ طائلة، وما فيها امتحان ؟! هذا مستحيل ! كل هذه النفقات، وهذه العناية، والتدريس، والمخابر، والمحاضرات، والنفقات الباهظة، بلا حساب ؟ بلا امتحان ؟
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
لا يمكن أن يرتاح الإنسان لفكرة العبثية ولا للحظة.
وقد بينت لكم من قبلُ أن أحد العلماء يرى أن الإيمان باليوم الآخر إيمان عقلي، لأنه لا يعقل، ولا يقبل أن يُخلق هذا الكون بهذه الدقة، وهذه العظمة، من دون يوم تسوى فيه الحسابات:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى
شيء آخر.
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾
هل من المعقول من وجودِ قوي وضعيف وتنتهي الحياة ؟ ولا شيء بعد الحياة ؟ غني وفقير ؟ ظالم ومظلوم ؟ مُستَغِل ومُستَغَل، قاهر ومقهور، هذا الذي يُرى في الأرض، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( تُمْلَأُ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا ))
لذلك أعظم شيء يعزي المؤمن أن الله سيحاسب الخلائق يوم الدين.
أنت في سورة الفاتحة تقرأ:
﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
يحاسب ويعاقب.
5 – من لوازم الديَّان خضوعُ الخلائق له:
( الديان ) هو الذي خضعت له الخلائق خضوع إقرار، وخضوع قوة.
أحيانا يكون الإنسان قويا، لكن ليس معه حجة، هذا قمعي، و أحيانا معه حجة، ولكنه ضعيف، لا يستطيع أن يأخذ الحق من القوي إلى الضعيف.
لذلك ربنا عز وجل قوي، والحجة قائمة منه على عباده.
﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾
الله عز وجل ( ديان )، أخْضَع الخلائق لحسابه الدقيق، وخضعوا لقدرته، لذلك جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله عظني ولا تطل، بهذه البساطة، فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة:
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
قال: كُفيت، آية واحدة اكتفى بها، فالنبي تأثر، قال: فقُه الرجل، وفقُه في اللغة لا تعني أنه عرف الحكم، تلك فقِه، أما فقُه أصبح فقيهاً، آية واحدة:
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
فقال: فقُه الرجل.
وفي رواية ثانية أن أعرابياً آخر قال: يا رسول الله عظني وأوجز، فتلا عليه هذه المقولة:
(( قلْ آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ ))
لما قال: ثم استقم، قال: أريد أخف من ذلك، قال: إذاً فاستعد للبلاء، إن أردت أخف من ذلك فاستعد للبلاء، لأن الله سبحانه وتعالى عدل، ورحيم في آنٍ واحد.
6 – من لوازم الديَّان أنْ لا أحدَ يفلت من العقاب:
شيء آخر:
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
المتانة صفة توصف بها الأشياء التي تقاوم قوى الشد، كقولك: حبل متين، وأمتن شيء في حياتنا الفولاذ المضفور، فالمصاعد والتليفريك والجسور كلها مربوطة بحبال من فولاذ مضفور، لأنه أمتن شيء، قال تعالى:
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
هذا العاصي المتفلت مربوط بطريقة لا يمكن أن يتفلت من عقاب الله، والآية الكريمة:
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾
معنى سبقوا ؛ أي لا يحسبن الذين كفروا أنهم يمكن أن يتفلتوا من عقاب الله، فالخلق كلهم في قبضة الله عز وجل، لكن الحبل مرخى، في أية لحظة يشد الله الحبل، والذي هدم سبعين ألف بيت في غزة في ثانية فقدَ الوعي والحركة، ولا يزال كما هو من سنتين، الإنسان في قبضة الله، في ثانية ينتهي كل شيء.
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في بعض أدعيته كما في حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ))
إذًا:
﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾
أي أنهم تفلتوا من عقاب الله، أو أنهم فعلوا شيئاً ما أراده الله.
خاتمة:
إن والإنسان يخضع كما تعلمون، ويحب الكمال والجمال والنوال، يحب الكمال المطلق، ويحب الجمال، ويحب العطاء، وهي مجتمعة في ذات الله عز وجل، فهو كامل، ذاته كاملة، وهو محسن.
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
بقدر ما هو عظيم تجله، بقدر ما هو كريم تحبه.